ألقوه في غيابات الجب
عند الاطلاع على قصة يوسف عليه السلام تستوقفنا هذه القصة في محطات عدة، ولعل اكثر موقف استوقفني فيها ذلك القول "وألقوه في غيابات الجب" الذي بفضله تحولت فكرة القتل الى الالقاء أخ يوسف عليه السلام الذي كان ضمن المجموعة المخططة للتخلص من يوسف، لما رأى شر إخوته قد استطار، وأن أمرهم قد توجه، علم أن أي اقتراح يقلع فكرتهم من جذورها عديم الفائدة، فجاء باقتراح لا يقلع وإنما يغير مسار المخطط، فقال: (لا تقتلوا يوسف والقوه في غيابات الجب) فمهما كانت فكرة "ألقوه في غيابات الجب" بشعة، إلا أنها أقل بشاعة بكثير من فكرة اقتلوا يوسف.
ومن المؤكد أن كلمة (غيابة) هنا لها مقصد، وإلا فالإلقاء في الحب سيفضي به إلى غيابته دون الحاجة إلى ذكر الغيابة، ولكنها قد تشير إلى أنه أراد أن يرسم صورة هذا الإلقاء بأبشع ما يمكن، فيكون بديلا جيدا عن القتل، عند نفوس صارت ترى القتل أمرا جيدا، وألا يكون الفارق بينه وبين القتل شاسعا فينفروا منه، فاستخدم اللغة، حتى يدعم بها موقفه المحبط والمثبط لهم عن إرادتهم الشريرة..
فنتج عن ذلك أن وافقوا على مقترح الإلقاء في الجب، وتم الإلقاء ثم هيأ الله ليوسف من يأتي يخرجه من البئر، ثم كان ما كان..
- إن هذا الفعل الذي يقلل من حدة الشر سر استمرارالخير في الحياة، وإن الذين يجدون الشر قد استطار، فيأتون بكلمة أو اقتراح أو تحوير يسير، يقضي الله به خيرا عميقا، ويغلق به باب شر؛ هم من أولياء الله.
والرسالة تقول: لا تستنكف عن كلمة قد يستنقذ الله بما حقا كاد يطمس، أو خيرا كاد يضيع، أو بريئا أوشك اجتماع مغلق أن يغلق عليه باب الحياة الكريمة !
كن صاحب الكلمة الأكثر نبلا، والاقتراح الأعمق نظرة والتوقيع الأبقي أثرا، لا تترك ناقصي المبادئ يعبثون بمبادئك، تكلم وخفف ما استطعت من البؤس الذي تكتظ به الحياة، وغلف كلامك بالحكمة البالغة، وزين أحرفك بالصدق والإحساس النبيل.
تابعنا و إكتسب
شاهد ايضا